تصور الكثير من الأسر المغربية امتحانات البكالوريا لأبنائها على أنها نهاية العالم فعلا، وأن أي هفوة أو نتيجة ضعيفة ستؤدي إلى ما لا يحمد عقباه.
باختصار، أصبح الامتحانات الإشهادية عموما، في المغرب، بعبُعاً حقيقيا لعدد كبير من الطلبة الذين يجتازون هذه الاختبارات في حالة نفسية مهتزة جدا تؤثر كثيرا على عطائهم ونتائجهم نفسها.
حالة ابنة مدينة آسفي لم تكن الأولى، ولعلها تكون الأخيرة، حيث اعتبرت الراحلة أن طردها من الامتحان يعني نهاية "الحياة" نفسها، وليس مجرد عثرة أو فشل عابر في حياة طويلة جدا.
وإن كانت الصرامة في هذه الحالات مطلوبة من طرف الأطر الإدارية والتعليمية، فإن دور الأسرة يبرز واضحا جدا ها هنا، حيث يكون للتخفيف والاحتواء دورهما النفسي الهام في تجنيب الممتحنين، وأغلبهم مراهقون، نتائجَ صادمة كالتي حدثت في آسفي.
تتعامل الأسر المتشددة مع الامتحانات كأنها – حرفيا – نهاية العالم، وتكون إرهاصات هذا التعامل منذ أيام التمدرس الأولى، حيث تقابل النقاط الضعيفة للطفل بالصراخ والانفعال الشديدين اللذين يفهم منهما الطفل، الذي سيصبح مراهقا، أن الخطأ أو الفشل المؤقت ممنوعان منعا باتا، وإلا فالويل والثبور وعظائم الأمور.
لا يتوقف الأمر عند النجاح فقط لدى كثير من الأسر، بل يتعداه لضرورة التفوق، بل والحصول على المرتبة الأولى دون غيرها.
يربى الطفل على تعظيم الذات وعلى أن المرتبة الأولى هي الهدف دائما، وأنه لا ينبغي أن يكون هناك من هو أفضل وأذكى منه، مما يحول فضاءات التعليم إلى فضاءات منافسة تنشر الكثير من الآفات النفسية والمجتمعية كالأحقاد والكراهية والتنقيص من الآخرين وغيرها.
وإن كانت بعض الأسر لا تعرف كيف تتخلص من هذه الوسيلة في تحفيز أبنائها، فإن الأمر ينتقل إلى هيئة التدريس وأطرها، والذين ينبغي أن يلعبوا دورا تكميليا وأن يشرحوا للتلاميذ جيدا معنى "الجد والاجتهاد" المطلوبين من التلميذ، ومعنى "النتيجة" التي قد لا تأتي أحيانا كما يرغب فيها صاحبها لأسباب متعددة.
في عدد من مدارس الغرب، أصبح مصطلح المنافسة غائبا، وأصبح كل تلميذ يعيش تحديا من أجل تطوير نفسه وليس "التغلب على الآخرين"، وهو ما يخفف الضغط بشكل كبير جدا لا عليه ولا على أسرته.
يقول سارتر أن الجحيم هو الآخرون، لكن على المغاربة أن يربوا أبناءهم عكسَ ذلك، وأنه لا يوجد جحيم في مسار التعليم الطويل وأنه وسيلة لتطوير الذات واستشراف آفاق أفضل، وليس مكان للتشنج والمنافسة الشرسة.